مداخلات بين ظلال القرآن وتفسير الأزهر <br> Interpretive Reflections on Zilal al-Qur´an and Tafsir al-Azhar

Authors

  • وان صبري وان يوسف (Wan Sabri Wan Yusuf) أستاذ مساعد في قسم أصول الدين ومقارنة الأديان، كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا.
  • إبراهيم محمد زين (Ibrahim Mohamed Zein) أستاذ مقارنة الأديان وعميد المعهد العالمي للفكر والحضارة الإسلامية (ISTAC)، الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا.

DOI:

https://doi.org/10.31436/attajdid.v11i22.215

Abstract

تمهيد ومقدمات

لهذه المداخلات موافقة لطيفة لعل إلمام القارئ بطرف منها يفيد في فهم الدوافع التي وراءها والاطار الذي كتبت فيه كما قد تضيء له بعض الجوانب في نص المداخلات نفسه. كان أحدنا (إبراهيم) يمني النفس بكتابة شيء عن ظلال القرآن، ولكن كان كلما هم بذلك يحبسه حابس ويصرف همته صارف. حتى إذا دفع إليه الثاني (وان صبري) ببحث كتبه عن تفسير الأزهر، إذا به يرى بين سطوره ما كان يود قوله عن سيد قطب، وقوّى من همته ما علمه من بعض المتخصصين[1] من أن فهم التناص العجيب بين تفسير الأزهر وظلال القرآن لم يلق ما يناسبه من البحث والنظر.

إن تجربتي كلٍّ من سيد قطب والحاج عبد الملك كريم أمر الله (الذي عرف اختصاراً بحَمْكَا) في النظر إلى كتاب الله تمثل نمطاً جديداً في الكتابة. وإذا كان الإمام أحمد قد أطلق قولته المشهورة: "ثلاثة لا أصل لهن: السير والمغازي والتفسير"،[2] فإن التفسير صار علماً عظيم الفائدة رفدته مناهج فهم النصوص التي حررها علماء المسلمين بدقة علمية متناهية. وقد استقر عند أهل السنة والجماعة من التفسير ما صار يعرف بالتفسير بالمأثور، وتأصلت معالم نظرية كاملة في تفسير القرآن عندهم. فغدا التفسير بذلك علماً له تاريخ كان الأساس فيه هو بيان رسول الله r، ثم النصوص المأثورة عن فقهاء الصحابة، حيث اتضحت معالمه في مدرسة ابن عباس وتلاميذه بمكة المكرمة.[3] وقد سعى كلُّ مَنْ جاء بعدهم للبناء على ذلك المأثور جاهداً أن يبث رؤيته الشخصية من خلال إعادة تنظيم المادة العلمية وفقاً لحاجة الجماعة العلمية ولحاجات المجتمع عامة. ولعل تفسير الإمام الطبري يمثل تلخيصاً علمياًّ حاول الوفاء بحاجات الجماعة العلمية في عصره، بل إن مقدمة تفسيره[4] قد فتحت آفاقاً جديدة للعلوم المتعلقة بكتاب الله، ومن ثم أنتجت الحركة العلمية فيما بعد ما عرف باسم علوم القرآن، الأمر الذي تجلّى في مؤلفات عديدة مثل البرهان في علوم القرآن للزركشي والإتقان للسيوطي ومناهل العرفان للزرقاني. ويمكن القول إن كتب التفسير على كثرتها وتنوع مناهجها إن هي – كما سبق أن قلنا - إلا محاولات لإعادة بناء المادة العلمية وترتيبها لمأثور التفسير وفق حاجات المجتمع عامة والجماعة العلمية خاصة، وعلى نحوٍ يعكس الشخصية العلمية للمفسر نفسه بصورة أو أخرى.

ولقد كان في تفسيري الظلال والأزهر تحقيق علمي فريد يجعلنا نقول بأنهما ينتميان إلى ذلك النوع من المحاولات العلمية التي تبدو فيها واضحةً جلية خصائصُ المفسر وسماتُه وشخصيته العلمية. وقد يرى البعض أن ظلال القرآن – كما توقع المؤلف نفسه - ليس تفسيراً بالمعنى العام،[5] حيث عنونه صاحبه "في ظلال القرآن"، وهذا الرأي لا يخفى فيه من مغالطة ظاهرة. على أننا نرى فيما أنتجه سيد قطب نمطاً جديداً من الكتابة حول القرآن الكريم، طغت فيه شخصية المؤلف وطريقته الفريدة ترتيباً وتحقيقاً لما توفر لديه من مأثور في تفسير القرآن. ولنعد إلى مقولة الإمام أحمد بن حنبل "ثلاثة لا أصل لهن التفسير والسير والمغازي"، فإن كان التفسير لا أصلَ له، يبقى إذاً القولُ بأن الأصل الثابت في تأصيله هو جملة المأثورات، أما كيفيات ترتيبها وتحقيقها في نسيج من الكتابة العلمية فأمر متروك إلى عُدة المشتغل بذلك الفن وتكوينه العلمي وقضايا عصره. وذلك لا يعني قط نسبية النص القرآني، وإنما القصد إبراز معنى نسبية الفهم البشري في إطار ما توفر من مأثورات. فالنسبية تُخلع على الفهم لا على النص المفسَّر أو المفهوم، ولكنها كذلك ليست نسبية مطلقة تتلون بأوضاع الواقع وعدة المفسر لمواجهته، بل يحكمها إطار عام هو جملة التصورات والأحكام التي جاء بها النص القرآني، وتمثل عمدة الرسالة الخاتمة على مرّ الإجيال. فإن كان ذلك كذلك، فإننا بالنظر في ظلال القرآن أو تفسير الأزهر إنما نحاول فهم نسيج معقد من القضايا المتداخلة تتعلق بموقع الكاتب إزاء القرآن أو ما أسماه سيد قطب بالحياة في ظلال القرآن داعياً إلى ربط الحياة في ظلال القرآن بفهمه ثم محاولة بيان الوحدة الموضوعية في السورة من خلال بيان الترابط العضوى بين مقاطعها ومحاولة فهم السورة بوصفها نسيجاً مترابطاً في إطار مقولة مركزية هي التوحيد. فالكيفيات التي قسم بها سيد قطب السورة إلى مقاطع مع بيان الصلة بين تلك المقاطع، ثم تركيزه على الجو العام للسورة ومحاولة تقديم قراءة عامة للسورة وافتتاحه الحديث عن السورة بمقدمة لبيان الأبعاد الكلية لها، وبيان كيف أن القرآن الكريم يسعى إلى تكوين مجتمع جديد وفق منهج رباني يحفظ التناسق بين الفطرة البشرية ونواميس الكون، كل هذه القضايا تمثل محاور مهمة في منهج سيد قطب في التفسير.

ونحن نروم فوق ذلك فهم مدى تأثير مناهج النقد الأدبي في صياغة النص التفسيري[6] الذي قدمه كل من سيد قطب وصاحب تفسير الأزهر؛ إذ إن كلاًّ منهما قد أنفق جزءاً وافراً من نشاطه الفكري في محاولة التأثير في الحركة الأدبية وفي المحيط الذي يتحرك فيه. ثم أخيراً نريد أن نبين مدى تأثير المرحلة التي كتب فيها نص ظلال القرآن وتفسير الأزهر، لا سيما أن الجزء الأساسي من العملين قد أُنجز في السجن. وعلى الرغم من أن كلا النصين يمثلان تطوراً طبيعياًّ لأفكار المؤلفين، إلا أن البعض قد سعى جاهداً لبيان - خاصة بالنسبة لسيد قطب - أن ظلال القرآن يمثل مرحلة معاناة شخصية واضطهاد انعكسا سلباً في تقويمه للمجتمعات من حوله وفي نظرته للكون والحياة.[7] ولا بد من القول كذلك بأن كلا النصين قد كُتبا لتحقيق غرض عملي هو إصلاح الحركة الإسلامية، فكان سيد قطب يرى أن السبيل إلى إصلاح حركة الإخوان المسلمين هو اتباع هذا المنهج الرباني الذي أخرج الجماعة الإسلامية الأولى على يد المصطفى r، وعليه فإن تفعيل هذا المنهج الرباني سيؤدي إلى الإصلاح المنشود.[8] وكذا الحال بالنسبة لصاحب تفسير الأزهر فالحركة المحمدية - وهي كبرى الحركات الإسلامية في أرخبيل الملايو- كانت نصب عينه وأراد بتفسيره أن يبين الطريق القويم لإصلاح تلك الحركة.[9]


[1] بروفسر دين شمس الدين الأمين العام لمجلس علماء إندونيسيا، والرئيس المركزي للجمعية المحمدية بإندونيسيا.

[2] السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، الإتقان في علوم القرآن (بيروت: دار الفكر، 1979)، ج2، ص179 وذكر أن المحققين من أصحاب أحمد قالوا: "إن مراده "أن الغالب أنه ليس لها أسانيد صحاح متصلة". انظر: ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، مقدمة التفسير (القاهرة: مكتبة النهضة، 1404ﻫ)، المجلد13، ص346. ذكر ابن تيمية أن الغالب على هذه المرويات المراسيل، ولعله من المفيد أن نذكر أن مرويات الإمام أحمد بن حنبل قد جمعت في سفر احتوى على أربعة مجلدات، مرويات الإمام أحمد بن حنبل في التفسير، جمع حكمت بشير يس (الرياض: مكتبة المؤيد، 1994).

[3] السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ج2، ص187-188.

[4] الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، جامع البيان في تفسير القرآن (بيروت: دار المعرفة، 1982)، ج1، ص2-36.

[5] سيد قطب، في ظلال القرآن (القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، 1953)، ج1، ص5-7.

[6] محمد حسين، عبد الباقي، سيد قطب حياته وأدبه (المنصورة: دار الوفاء، 1986)، ص297-348.

[7] حموده، عادل، سيد قطب من القرية إلى المشنقة (القاهرة: دار قباء، 1999)، ص190-191.

 [8]المرجع السابق، ص168-186.

[9] Wan Sabri Wan Yusof, “Hamka’s TafsÊr al-Azhar: Qur’anic Exegesis as a Mirror of Social Change” (Ph.D. diss.,TempleUniversity, 1997), pp. 164, 174, 177.

Downloads

Download data is not yet available.

Downloads

Published

2007-12-01

How to Cite

وان يوسف (Wan Sabri Wan Yusuf) و. ص., & زين (Ibrahim Mohamed Zein) إ. م. (2007). مداخلات بين ظلال القرآن وتفسير الأزهر &lt;br&gt; Interpretive Reflections on Zilal al-Qur´an and Tafsir al-Azhar. At-Tajdid - Intellectual Refereed Journal, 11(22). https://doi.org/10.31436/attajdid.v11i22.215