إشكالات نماذج التأمين التكافلي وأثرها في الفائض التأميني: رؤية فقهية نقدية <br> Problematic Issues of Takaful Models and their Implications for the Takaful Surplus: A Critical Juristic Analysis
DOI:
https://doi.org/10.31436/attajdid.v17i34.89Abstract
ثلاثة عقود أو تزيد على نشأة صناعة التأمين الإسلامي أو التكافل شهدت فيها هذه الصناعة إقبالاً كبيرًا عليها وتوسعًا ظاهرًا في عملياتها ومنتجاتها، إلا أن النماذج المطبقة فيها لم تخلُ من العديد من الإشكالات الفقهية والفنية التي أصبح مسلمًا بها من الأوساط العلمية الشرعية والجهات المهنية على حد سواء. وتتعلق تلك الإشكالات بصورة خاصة بالفائض التأميني كيفية التصرف فيه تملكًا وتوزيعًا، وهو ما دعا بعض المؤسسات الشرعية ذات المرجعية العلمية العالمية، (كمجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي) إلى ضرورة تكثيف البحث العلمي من أجل تطوير نموذج جديد للتكافل يتجاوز جوانب القصور في النماذج المعمول بها شركات التكافل، يكون أكثر انضباطًا بقواعد الشريعة وتحقيقًا لمقاصدها وأكثر تلاؤمًا مع النزم التشريعية الخاصة بقطاع التأمين في البلدان التي فتحت أبوابها للتأمين التكافلي. وفي ضوء ذلك يتناول البحث بالعرض والتحليل أهم الإشكالات الشرعية التي أثيرت حول النماذج القائمة على أساس التبرع (مثل طبيعة التبرع، ومآل الالتزام بالتبرع من طرف المستأمن والصندوق إلى عقد معاوضة، وشرعية تقاسم الفائض التأميني بين الشركة والمستأمنين، واعتبار الفائض التأميني ربحًا في نموذج المضاربة رغم أنه ليس زيادة عن رأس المال، وملكية الصندوق والفائض التأميني، إلخ). كما يتطرق البحث إلى جملة من الإشكالات الفنية (ومنها الأساس المحاسبي لعمليات التعويض، ومشكلة الوكالة المؤسساتية، وغير ذلك). وقد ركز البحث بصورة خاصة على مناقشة ما يتعلق بالفائض التأميني من إشكالات، باعتباره أكثر الأمور التي ثار حولها الجدل والاعتراض في صناعة التكافل، وهو ما توصل البحث إلى أن النماذج المطبقة لم تقدم له الحل المناسب. ثم يأتي الجزء الأخير من البحث لينظر في نموذج الوديعة المقترح من قبل الأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية في المالية الإسلامية بماليزيا (ISRA)، تقويمًا وتعديلاً وتطويرًا بما يجعله أكثر تماسكًا من الناحية الشرعية وأكثر قدرة على تجاوز إشكالات النماذج القائمة.
الكلمات الأساسية: صناعة التأمين التكافلي، التبرع، الوكالة، المضاربة، الوقف، الفائض التأميني، الوديعة.
Abstract
Although three decades or more have elapsed since the emergence of Takaful industry, a period in which this industry has received wide acceptance and witnessed a great development in its operations and products, the Takaful models that are being implemented in it have not been free of many juristic and technical problems. This is an agreed upon fact among SharÊÑah scholarly authorities and practitioners alike; these problems concerns mainly the ownership and distribution of the surplus. This situation urged some SharÊÑah institutions of worldwide scholarly authority (such as the International Fiqh Academy, one of the agencies of OIC) to call for the need of more research in order to develop a new model that would overcome the defects of the existing models that are in use in Takaful industry, be more compliant with the SharÊÑah rules and fulfilling its objectives, and in harmony with the legislative regimes governing the insurance sector in the countries that are more receptive to Takaful insurance. In light of the above, the present article examines the most critical SharÊÑah issues that have been raised against the existing donation or TabarruÑ-based Takaful models (such as the nature of donation, the transformation of donation relationship between the insured and the TabarruÑ Fund into an exchange relationship, considering the surplus as profit in the MuÌÉrabah model though it is in no way an addition to the capital, the legitimacy of the distribution of surplus among the insured and the Takaful company, the ownership of the Fund, etc.). The article also looks into some of the technical problems facing Takaful insurance, such as including the accounting basis of insurance coverage, agency problems, etc. Special attention has been given to issues pertaining to the surplus, given the fact that it is the most problematic matter in Takaful industry on which there has been much debate and controversy; in which respect the article has shown that the existing applied models have not been able to provide proper solutions. Finally, the article examines critically the WadÊÑah-based model proposed by the International SharÊÑah Research Academy for Islamic Finance (ISRA), thus evaluating, amending and developing it in such a way as would make it juristically more sound and capable of overcoming the problematic issues of the existing models.Key words: Takaful industry, tabarruÑ (donation), wakÉlah (agency), muÌÉrabah, waqf (Trust), Takaful surplus, wadÊÑah.
Abstrak
Walaupun sudah tiga dekad atau lebih sejak kemunculan industri Takaful, iaitu masa industri ini mendapat penerimaan luas dan menyaksikan pembangunan yang besar dalam operasi dan produk, model Takaful yang sedang dilaksanakan di dalamnya tidak pernah sunyi dari banyak masalah perundangan dan teknikal. Ini sudah dipersetujui di antara ilmuan Shari’ah dan pengamalnya; masalahnya melibatkan pemilikan dan pengagihan lebihan. Keadaan ini menggesa beberapa institusi Shariah bertaraf dunia (seperti Akademi Fiqah Antarabangsa, salah satu daripada agensi-agensi OIC) untuk menjalan banyak penyelidikan untuk membangunkan model baru yang akan mengatasi kecacatan model sedia ada dalam industri Takaful. Model tersebut lebih mematuhi peraturan Shariah dan memenuhi objektifnya, dan selaras dengan rejim perundangan yang mengawal sektor insurans di negara-negara yang senang menerima insurans Takaful. Artikel ini mengkaji isu-isu Shariah yang kritikal yang telah dibangkitkan terhadap model Takaful berasaskan Tabarru’ (seperti ciri-ciri rebet yang sedia ada atau transformasi hubungan rebet antara yang diinsuranskan dan Kumpulan Wang TabarruÑ dengan hubungan pertukaran, memandangkan lebihan sebagai keuntungan dalam model Mudarabah walaupun ia adalah sama sekali tiada tambahan kepada modal, kesahihan pengagihan lebihan antara yang diinsuranskan dan syarikat Takaful, pemilikan Kumpulan Wang, dan lain-lain). Artikel ini juga mengambil beberapa masalah teknikal yang dihadapi oleh insurans Takaful, termasuk asas perakaunan perlindungan insurans, masalah agensi, dan lain-lain. Perhatian khusus diberikan kepada isu-isu yang berkaitan dengan lebihan, memandangkan ia adalah perkara yang paling bermasalah dalam industri Takaful. Terdapat banyak perdebatan dan kontroversi dengan model yang sedia ada tidak dapat untuk menyediakan penyelesaian yang betul. Akhirnya artikel ini juga mengkaji secara kritis model yang berasaskan Wadiah yang dicadangkan oleh Akademi Penyelidikan Shariah dan Kewangan Islam Antarabangsa (ISRA), sekali gus menilai, meminda dan membangunkan dengan apa-apa cara bagi menjadikannya lebih diterima secara fiqhiyyah dan mampu mengatasi isu-isu yang bermasalah dari model sedia ada.
Kata kunci: Industri Takaful, Tabarru’ (rebet), wakalah (agensi), mudarabah, wakaf (Amanah), lebihan takaful, wadiah.
مقدمة
يعتبر اختيارُ النموذج في صناعة التأمين التكافلي الإسلامية عنصرًا أساسيًّا في تحديد شرعية العملية التكافلية في جميع مراحلها: من جمع الأقساط، ودفع التعويضات، وتحديد المخصصات والاحتياطات، ورصد الاستثمارات، وتوزيع الفائض التأميني. وقد تعددت نماذج التأمين التكافلي المعمول بها من قبل شركات التكافل، فمنها ما هو قائم على المضاربة، ومنها ما يقوم على الوكالة، ومنها ما يستند إلى الوقف. وعلى الرغم مما أسهمت به هذه النماذج من تطوير لصناعة التأمين التكافلي من خلال ما قُدم على أساسها من معالجات وحلول لجوانب تشريعية وفنية مختلفة في العملية التأميني، إلا أنها لم تخل من إشكالات شرعية وفنية ما زالت موضع خلاف وجدل بين العلماء والباحثين والممارسين على حد سواء، وخاصة بالنسبة لنموذي المضاربة والوكالة اللذين تعمل على أساسهما أغلب شركات التكافل. ويعتبر الفائض التأميني ومشروعية تقاسمه بين شركة التكافل والمشتركين في صندوق التكافل من أهم المسائل ذات الطابع الإشكالي التي ثار حولها خلاف كبير وجدل حاد بين المهتمين بصناعة التأمين التكافلي، وما زال هذا الخلاف قائمًا لم يُتوصل فيه إلى حل مقبول للجميع.
ويتطلب البحث في هذا الموضوع ومناقشة أبعاده المختلفة مراجعةَ الإطار التعاقدي في تلك النماذج؛ إذ هو الذي على أساسه تحدد طريقة المعالجة للإشكالات التي يثيرها الفائض التأميني على هذا النحو أو ذاك. وعليه فإن البحث يهدف أساسًا إلى إعادة قراءة الإشكالات الشرعية والفنية للتأمين التكافلي القائم على نموذجيْ الوكالة والمضاربة، كما ينظر في النموذج القائم على الوقف الذي أُنشئ من أجل علاج سلبيات النموذجين السابقين. ثم يركز البحث بعد ذلك على مناقشة نموذج الوديعة الذي اقترحته حديثًا الأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية في المالية الإسلامية(ISRA) بديلاً للنماذج الثلاثة المطبقة. ويسعى البحث في مراحله المختلفة إلى إبراز الآثار المترتبة عن هذه النماذج بالنسبة الفائض التأميني، تحليلاً ونقدًا وتقويمًا وتطويرًا، وبذلك يمكن القول إن هذا البحث يأتي استجابة للتوصية التي صدرت عن المجمع الفقهي الدولي في دورته العشرين لعام 2012 المنعقد في الجزائر بتأكيد ضرورة مواصلة البحث العلمي من أجل تطوير نموذج تكافلي يتجنب جوانب القصور في النماذج التكافلية السائدة.
الإشكالات الفنية والشرعية في نماذج التكافل المطبقة
هناك – كما قدمنا - ثلاثة نماذج أساسية شائعة في سوق صناعة التأمين التكافلي، وهي الوكالة، والمضاربة، والوقف. وسنتاول هذه النماذج بالشرح والتحليل والنقد لنرى ما تنطوي عليه من وجوه خلل فني وشرعي، ونبين ما يستدعيه ذلك من ضرورة البحث عن نموذج جديد يكون بريئًا من مظاهر القصور التي تعتريها.
نموذج الوكالة
هذا النموذج هو أول صيغة شرعية قامت على أساسها عملياتُ التأمين الإسلامي في دول الخليج العربي، وهو نموذج تتحدد فيه العلاقة التعاقدية بين المشتركين في صندوق التكافل وشركة التكافل على أساس الوكالة. فالمشتركون في الصندوق - من حيث هم متبرعون له بالأقساط التي يدفعونها - يوكلون إلى شركة التكافل مهمة إدارة صندوق التكافل، فهي التي تتولى قبول الأخطار المختلفة التي يجلبها كلُّ مشترك للصندوق، وتحديدَ أقساط التبرع، وتخصيصَ الاحتياطات القانونية والاختيارية، وتقييم الأضرار، وتحديد التعويضات ودفعها، وإدارة مخاطر السوق، والسيولة، والتشغيل، ومواجهة العجز عن سداد الأقساط، وتوزيع الفائض التأميني وفق ما يحدده الخبراء المعتمدون في تقدير التكاليف المالية للمخاطر (الأكتواري actuary). ولهذا النموذج صيغتان شائعتان:
الوكالة الخالصة: في هذه الصيغة تتولى شركة التكافل إدارة صندوق التكافل بوصفها وكيلاً عن المشتركين في الصندوق، وذلك مقابل أجر محدد من طرف الجهات الإشرافية أو ما تمليه طبيعة الخطر المزمع تغطيته، ويعتبر هذا الأجر هو الدخل الوحيد للشركة. وقد تقوم الشركة باستثمار جزء من أموال صندوق التكافل، لكنها لا تتقاسم في ذلك ربحًا ولا