تأملات حول علم الكلام ومآلاته
DOI:
https://doi.org/10.31436/attajdid.v10i20.242Abstract
تقديم
عقد ابن خلدون في المقدمة فصلاً[1] عن علوم الملة اختار فيه أن يكون علم الكلام بعد علوم القرآن والسنة والفقه وأصوله والخلافيات، وأن يأتي التصوف من بعد علم الكلام، لتختتم تلك العلوم بعلم تعبير الرؤيا. وبين ابن خلدون أن العلّة في هذا الترتيب الذي اتخذه في النظر في العلوم هي مدى قربها من مصادر العلم في الملة وليس بحسب أهميتها في ذاتها. ثم بين مقامات هذه العلوم من حيث كونها من قبيل العلوم الضرورية، أو الحاجية، أو الكمالية. وتوخى ابن خلدون في ترجمته لكل علم من هذه العلوم أن يبين تاريخه وقضاياه والكتب المعتمدة فيه. ولا يخفى على الناظر الحصيف أن ابن خلدون قد أنجز تأملاته تلك في العلوم والمعارف وفق تنظيمه لمفردات علم العمران، مبيناً صلة العلوم والصنائع بالنظام السياسي والاقتصادي والقوانين التي تحكم العمران البشري.
ولا شك أن للتأملات منطقاً خاصًّا يحكمها، فهي تدل على الحالة الذهنية لصاحبها، وهي كذلك تعبر عن الوجهة التي يجب أن يتخذها العلم حسب فهم صاحب التأملات لتاريخ العلم وقضاياه. وهي في الغالب الأعم تتغيا مثل هذه الاتأملاتالخروج مما يفضي إليه التراكم العلمي من مأزق، ومن ثمّ فإن التأملات ليست من باب الكتابة العلمية العادية، فالجانب الذاتي فيها يحتل مساحة أكبر لتحقيق غرض موضوعي وهو الخروج من المأزق العلمي الذي تفضي إليه الكتابة المدرسية المألوفة. ولذلك الجانب غير المألوف في نسيج هذا النوع من الكتابة مهم للغاية لإنجاز الغرض، والوصول إلى القصد. ولئن لم تكن الذاتية من المقاصد الأصلية لهذا النوع من الكتابة، إلا أنّ المقصد الأصلي يتوفر على قدر من الموضوعية التي تجعله أساساً لمنطلق جديد يُخرج العلم من مأزقه التاريخي.
[1] ابن خلدون، عبد الرحمن، مقدمة ابن خلدون (بيروت: دار القلم، 1992)، ص458-467.