قراءة في الفكر الأصولي لابن حزم <br> A Critical Reading into Ibn ×azm’s Views on Legal Theory
DOI:
https://doi.org/10.31436/attajdid.v11i22.216Abstract
تمهيد
يكاد يكون هناك إجماع بين المؤرخين على ما تميز به الإمام علي بن أحمد بن سعيد ابن حزم من إحاطة وتمكن في فنون المعرفة في عصره.[1] فقد كان "حافظاً عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنّة، متفنناً في علوم جمّة، عاملاً بعلمه... ذا فضائل جمّة، وتواليف كثيرة في كلّ ما تحقق به من العلوم".[2] الأمر الذي جعله "كالبحر لا تكفّ غواربه، ولا يَروى شاربه"،[3] فهو "نسيج وحده" كما قال المقرّي بحق.[4]
ومع ذلك، فإنه لا يخفى على الكثيرين ازورار النّاس عن ابن حزم، سواء في ذلك العالم والجهول، حتى قيل "من الحزم ألا تتبع ابن حزم".[5] بيْد أن ذلك لم يمنع جماعة من العلماء المعتبرين من اتباع ابن حزم في كثير من القضايا والمسائل، بل والثناء عليه في ذلك.[6] وعليه من الحزم البحث في الفكر الأصولي لابن حزم، بعيداً عن التعصب والتحيز، خاصة وأن المؤلفات التي اهتمت بدراسة فكر ابن حزم لم تُعِر آراءه الأصولية اهتماماً يليق بها.
ولذلك فإنّ الفكر الأصولي لابن حزم بحاجة إلى الدِّراسة من أجل التعريف بمنهجه في استنباط الأحكام، لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ هذا المنهج مغاير لما عوّل عليه أئمة الاجتهاد قبله وبعده. فعلم أصول الفقه قبل ابن حزم كان يسير في تيّار واحدٍ، وعلى منهج معيّن، ضُبط وحدِّد على أيدي أئمة الاجتهاد من لدن الإمام الشافعي، مع وجود خلافات متفاوتة بين المذاهب داخل ذلك المنهج، كلها تعبِّر عن الالتزام بمسلك واحد، ألا وهو استنباط الأحكام عن طريق الاجتهاد بالرأي، وعلى الرغم مما بين أئمة المذاهب من تفاوت توسّعاً وتضييقاً في استخدامه، أو قَبولاً لدليل وردًّا لآخر. فلمّا ظهر ابن حزم بلور منهجاً أصولياًّ جديداً[7] أنكر من خلاله الاجتهاد بالرأي، وحصر الاجتهاد في ظواهر نصوص الوحي، وما لم يرد فيه نص استخدم بشأنه الاستصحاب. وهذه محاولة لتوضيح الفكر الأصولي الحزمي، وإبراز معالمه الأساسية.
[1] للاطلاع على سيرة ابن حزم انظر: المقري، أحمد بن محمد، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (بيروت: دار الكتاب العربي، د.ت)، ج2، ص284؛ الذهبي، شمس الدين محمّد، سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرناؤط ومحمد نعيم (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1984)، ج18، ص184. وكذلك: ابن حزم، علي بن أحمد، التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العاميّة والأمثلة الفقهيّة (مجموعة رسائله)، تحقيق إحسان عبّاس (بيروت: المؤسسة العربيّة للدراسات، ط2، 1987)، ج4، ص200.
[2] الحميدي، جذوة المقتبس، ص490.
[3] ابن بسّام، أبو الحسن علي، الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، تحقيق إحسان عبّاس (بيروت: دار الثقافة، 1399ﻫ/1979م)، ج1، ص167.
[4] المقري، نفح الطيب، ج2، ص284.
[5] الأثري، علي حسن، الكاشف في تصحيح رواية البخاري لحديث تحريم المعازف والردّ على ابن حزم المخالف (الدّمام: دار ابن الجوزي، 1410ﻫ/1990م)، ص16.
[6] انظر: ابن تيميّة، أحمد بن عبد الحليم، نقض المنطق، تصحيح محمّد حامد الفقي (بيروت: دار الكتب العلميّة، 1370ﻫ/1951م)، ص18.
[7] كان الفقه الظاهري موجوداً قبل ابن حزم، ولكن لم يكن له منهج مدوّن يضبط أصوله ويحدّد معالمه. ولذا، فإنّ ابن حزم وإنْ كان قد سبقه إلى القول بالظاهر داود بن علي المتوفّى سنة 270 هجرية، إلا أن الفضل يرجع له في وضع أصول هذا المنهج الاجتهادي والتفريع عليه بما لم يسبق إليه، ولم يأت بعد ابن حزم فقيه ظاهري قام بمثل ما قام به.