كلمة العدد / Editorial Words
Abstract
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التحرير
اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد أن ترضى، اللهم لك الحمد كالذين قالوا خيراً مما نقول، ولك الحمد كالذي تقول، ولك الحمد على كل حال، اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض، وأنت بكل شيء عليم، وسبحانك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الغر الميامين.
نقف في هذا العدد الأول من مجلة الدراسات اللغوية والأدبية على مفترق طرق يذهب بنا إلى آفاق عميقة تتناول اللغة العربية وآدابها؛ إذ إن من خصائص المنشورات العلمية اللغوية الموثوقة أن تتناول قضايا حيوية وملحة في اللغة والأدب تتعلق بالقراءة والمفكرين والباحثين من جانب الحياة الثقافية والاجتماعية والفكرية، وتتطرق إلى الدراسات اللغوية في مجال التعليم وتحليل النص والترجمة والتداولية، وفي الدراسات الأدبية في مجال توظيف وسائل التواصل الاجتماعي، وفي تتبع الراوية في الجزائر، وبيان جهود المسلمين في تأصيل الأدب الإسلامي.
هذا العدد هو ثمرة لجهود قامت بها لجنة التحرير عبر مراجعة المقالات، والعمل على اختيار الأنسب منها، بعد تحكيمها من قبل محكمين ذوي خبرة عالية وتخصصات دقيقة، لتحقق هذه المقالات أهداف المجلة التي ترنو إلى تأسيس دراسات لغوية وأدبية تربط بين التراث والمعاصرة، وتملك زمام المبادرة في إبراز هذه الدراسات بمنهجية علمية صارمة، تتضمن موضوعات حيوية فيها تجديد ينهض بالأمة الإسلامية فكريا وثقافيا.
تضمنت المقالات اللغوية موضوعات حيوية تتعلق الحذف في ترجمة دبلجة الفيلم السينمائي "أسد الصحراء" عمر المختار؛ إذ يهدف هذا البحث إلى تسليط الضوء على الدبلجة التي تصنف ضمن الأنواع الأكثر شهرةً بين أنواع الترجمة السمعية البصرية، والتي يقصد بها تركيب صوت جديد على الصوت القديم؛ سواء كان بلغة مختلفة أم باللغة نفسها؛ وقد تبين من الدراسة أن عمليات الحذف التي أُجريت لم تغير في الواقع من المحتوى الكلي للرسالة التي يتضمنها النص الأصلي، ولم تضف إلى محتواها الدلالي؛ كما تبين أن مبدأ التزامن قد تحقق في معظم النماذج التي تم تحليلها؛ فجاءت العبارات المدبلجة متزامنة في المدة التي قيلت فيها مع العبارات الأصلية، ومتسقة مع حركات شفاه الممثلين، وإشاراتهم الجسدية أما المقال الموسم بـــ: البنية في شعر فاطمة القرني: دراسة صوتية صرفية دلالية في ديوان "عندما غنى الجنوب" أنموذجاً، فيتناول الشواهد الشعرية التي تعرضت فيها بنية الكلمة للتغيير في ديوان عندما غَنَّى الجنوب للشاعرة فاطمة القرني، من تغيير بالنقص أو بالزيادة أو بالتبادل بين الصيغ، بهدف تسليط الضوء على تلك التغيرات من الناحية الصوتية والصرفية والدلالية، ودورها في تشكيل جماليات النص الإبداعي. توصل البحث إلى أهمية دراسة بنية الكلمة صوتيّاً وصرفيّاً متعانقةً مع السياق في الكشف عن الحالات الانفعالية التي تكمن في نفس الشاعر، وأن ما خرج منها عن القياس مما عدَّ النحويون أمثاله من باب الضرورة الشعرية كان ينطوي تحت أغراض دلالية، وأسباب معنوية ترمي إليها الشاعرة؛ أما المقال الثالث فبعنوان: ضمنية المقال في عدول لفظ الجلالة من الإضمار إلى الإظهار في "سورة الطلاق": دراسة دلالية؛ إذ كشف عن عدول لفظ الجلالة من أوساط الأحكام الشرعية التي رسخت ونظمت العلاقات الأسرية في سورة الطلاق، ومن مواضع العدول لأمن اللبس، ورصد الألفاظ والصِّيغ التي استؤثر فيها الإظهار، وإبراز مباعث ابتداء التصريح باللفظ الجليل، والمواطن التي اقتضت ذلك التصريح في آيات الخلق، والوقوف على التآلف والانسجام بين القضايا الأسرية التي تعالجها السورة واستئثار الإظهار. وخلصت الدراسة إلى أن إظهار لفظ الجلالة في سورة الطلاق يتجلى مع الحدود الشرعية الكلية والخاصة؛ لإقرار تقواه وحضور الخوف منه سبحانه وتعالى، وإحاطته بعلم كل شيء، وفي مواطن التهديد والوعيد، والقضايا الأسرية الحساسة؛ أما المقال الرابع فهو معنون بـــ: التّحليل الدّلاليّ لألفاظ عشق النّساء في "الغريب المصنّف": دراسة في ضوء نظريّة التّحليل التّكوينيّ للمعنى، وهو دراسةٌ لألفاظِ عِشقِ النّساءِ، في كتابِ الغريبِ المُصنّف لأبي عبيد الذي يُعدّ أقدم مدوّنة معجميّة موضوعيّة في العربيّة، غايتُهُ ومبتغاهُ تحليلُ هذهِ الألفاظِ في ضوءِ نظريّةِ التّحليل التّكوينيّ للمعنى تأكيداً لعنايةِ العربِ بالمعاني، وسِياستِها بالألفاظِ المُبينةِ عنها الواصفةِ لكلِّ حالاتِها، وبيانُ ما تحملُهُ هذهِ الألفاظُ من سماتٍ دلاليّةٍ، وتجليةُ ما بينها من علاقاتِ تقاربٍ أو تباعدٍ. توصّل البحث إلى: سَدادُ عِنوانِ البابِ: (عشقُ النّساءِ)، وتناسبُهُ معَ ما حَواهُ من ألفاظٍ، وارتباطُ الألفاظِ محلِّ الدّراسةِ بدلالاتٍ سالبةٍ وغيرِ محمودةٍ، فكان القاسِمُ المشتركُ في بعضِها المرضَ وفي بعضِها الآخرِ الجنونَ وذهابَ العقلِ، وانعدامُ التّرادفِ التامِّ وغلبةُ علاقةِ التّقارب الدّلاليِّ بينَ مُعظمِ الألفاظ، أما المقال الخامس فقد عنوّن بـــ: الخاصية الحجاجية للفعل الكلامي: مقاربة لسانية تداولية في نماذج نصية من كتاب البخلاء للجاحظ؛ حيث
يتناول البحث نظرية الأفعال الكلامية ودورها في بناء البرنامج الحجاجي في إطار الخطاب السردي، عبر تطبيقها على مجموعة مختارة من نوادر البخلاء للجاحظ، بهدف اختبار الكفاية المعرفية والتفسيرية للنظرية أولاً، ولمعرفة طريقة توظيف البنيات اللغوية للإقناع بالقضايا موضوع العرض والاعتراض ثانياً. وتوصل البحث إلى أن هناك علاقة وطيدة بين الشكل اللغوي للنادرة الذي يتقمصه الفعل الكلامي، بوصفه بنية برهانية حجاجية، وبين درجة التأثير التي يحدثها في المتلقي، وهي متلازمة تنعقد على عين من المقام بكل مكوناته؛ سواء كان واقعياً أم افتراضياً محتملاً؛ أما المقال السادس فبعنوان: مُخَالَفَاتُ ابِنِ مَكْتُوم النَّحويَّةُ لِشَيْخِهِ أبي حَيَّان في كتابِهِ "الدُّرّ اللَّقِيط"، وهو يَهْدِفُ هذا البَحْثُ إلى التِقاطِ مُخَالفَاتِ ابِنِ مَكْتُوم النّحويّة لِشَيْخِهِ أبي حَيَّان في كِتَابِ الدُّرّ اللَّقِيط، وإِظْهَارِ آرَائِهِ واختياراتِهِ فِي ذَلك، وما اعْتَمَدَ عليه من أَدِلَّة. تَوَصَّلَ البَحثُ إلى أَنَّ ابِنَ مَكْتُوم اقتصَرَ في الدُّرّ اللَّقِيط على مُنَاقشاتِ أبي حيّان للزمخشريّ وابنِ عطيّةَ في آرائهما النّحويّة فِي تَفسيرِهِ، ورُدُودِهِ عليهما، وقد تَبِعَ ابِنُ مَكْتُوم شَيْخَهُ أبا حيّان في مُخَالفَاتِهِ النّحويّةِ للزمخشريّ وابنِ عطيّةَ -على كثرتها- وانتصرَ لها واستغنى بأقوالِهِ في الردِّ عليهما، إلّا في ستِ مسائلَ خَرَجَ فيها عن مَأَلوفِهِ وخَالَفَ شَيْخَهُ، وأَخَذَ بما تَرَجَّحَ عنده من أَدِلَّة؛ أما المقال السابع فجاء بعنوان: تحليل محتوى الكتاب السادس لتعليم العربية للناطقين بغيرها في الجامعة الأردنية في ضوء أسس ومعايير إعداد كتب العربية للناطقين بغيرها؛ إذ يُعدّ الكتاب مصدراً من مصادر التعلم، وعنصراً أساسياً من عناصر العمليّة التعليميّة؛ ويرتبط نجاح عملية التعليم والتعلّم ارتباطاً وثيقاً بالنجاح في إعداد الكتاب وتنظيمه. خلصت الدراسة إلى أنّ الكتاب السادس لتعليم العربية للناطقين بغيرها في الجامعة الأردنية يفتقر إلى أسس ومعايير إعداد المحتوى على مستوى المهارات والعناصر اللغويّة، وأنّ الكتاب بحاجة إلى إعادة بناء في ضوء معايير إعداد المواد التعليمية للناطقين بغيرها.
أما الدارسات الأدبية فتبدأ بدراسة معنونة: قيمة الوسيط التقني في تفاعلية الإجازة الشعرية :دراسة في أنموذج رقمي معاصر، وهي تسعى إلى تبين ظاهرة الإجازة الشعرية العربية في تواصلها مع الرقمية التفاعلية المعاصرة، وتقييمها في ضوء نموذج نص مشترك لإجازة شعرية رقمية كتبها عدد من الشعراء على (واتساب)؛ بغية الكشف عن خصائص تلك الإجازة، ومظاهر التفاعلية عليها، والسمات التي اكتسبتها من النشر الرقمي، وكشفت نتائج الدراسة عن قيمة الوسيط التقني (واتساب) الذي بُنيت عليه الإجازة في نشأتها ابتداء؛ حيث منحت الشعراء القدرة على التواصل الشعري، كما وضّحت بعض سمات هذا النص الأدبي الرقمي المشترك الذي يتوالى على كتابته عدد من الشعراء، وعناصر التفاعلية في الإجازة الشعرية الرقميّة من خلال النموذج؛ أما المقال الثاني فموسوم بــ: رواد الحركة الأدبية النقدية في الجزائر: دراسة وصفية نقدية؛ حيث إن الهدف من الموضوع هو التعريف برواد الحركة الأدبية والنقدية في الجزائر، ووضع حجر اللبنات الأساسية في هذا الموضوع من أجل التمهيد لباقي البحوث اللاحقة، وقد استخدمت المنهج الوصفي بآلية التحليل والذي يعتمد على الوصف للظاهرة التي يقوم عليها هذا الموضوع وعلى وصفها ثم تحليلها، ومن بين النتائج التي توصلت إليها في هذا الموضوع والتي تتمثل في إن جل الأعمال التي قام بها الرواد الجزائريين كانت بمثابة الوثيقة الأدبية والنقدية والتاريخية والثقافية والاجتماعية والفكرية لمجهودات هؤلاء الرواد؛ أما المقال الثالث فهو بعنوان: شاعر الأمة "محمد عاكف أَرْصُويْ" ومفهوم الأدب الإسلامي، ويهدف إلى إلقاء نظرة على حياة شاعر الأمة محمد عاكف أرصوي، في معيشته، وعلاقته بالناس وأصدقائه، وأعماله في الحياة العامة التي لها مكانتها وتأثيرها في عالم الفكر والأدب. توصل البحث إلى نتائج منها: نجد أنه كان شخصاً شهد المرحلة الحرجة والصعبة من حيث المدة الأخيرة للدولة العثمانية، وتأسيس الحكومة الجديدة. وأنه كان رجلاً مكافحاً، وله قلب يخفق للأمة، وله كثير من الأفكار من حيث منظوماته، ومجموعته وتفاسيره، ومواعظه، ومقالاته، وترجماته، ورسائله، وهذه كلها مفاتيح للولوج إلى عالم تفكيره.
وأخيراً تتقدم هيئة التحرير بجزيل الشكر والتقدير لكل الإسهامات التي أدت إلى إعداد هذا العدد بشكله الأخير، والشكر موصول إلى عميد كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية الأستاذ الدكتور شكران عبد الرحمن على دعمه المتواصل معنوياً وعلمياً، داعين الله تعالى التوفيق والسداد في الدفاع عن لغة القرآن الكريم دراسة وبحثاً وتطويراً.
رئيس التحرير
الأستاذ الدكتور عاصم شحادة علي