كلمة التحرير/editorial
DOI:
https://doi.org/10.31436/jlls.v6i2.299Abstract
الحمد لله الذي أنزل على الكتاب ولم يجعل له عوجاً، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد بن عبدالله الذي أرسله الله بالحق وأرسل إليه الكتاب المبين، وعلى الصحابة الكرام أجمعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن وجوه التعدد في الفكر الإبداعي في الكتابة يجعلنا نمرّ في مراحل قرائية متعددة، تبدأ في القراءة التمهيدية التي يكون فيها القارئ قد ألمَّ بقواعد القراءة والكتابة، والقراءة التصفحية التي ترتبط بالزمن اللازم للقارئ كي ينجز كمية معينة من النصوص ويستخرج معانيها، والقراءة التحليلية التي تتعلق بنوعية النص الذي ينوي القارئ قراءته، والقراءة الموجهة: وهي تمثل ذروة عملية القراءة؛ إذ يترتب عليها عبءٌ كبيرٌ على القارئ؛ لأنه مطلوب منه أن يطالع كتباً عدة في الموضوع الذي يقع في دائرة اهتمامه، وبعد ذلك يكون القارئ قادراً على التحليل والمقارنة. في ضوء ما ذكرناه عن مستويات القراءة نحاول بشكل جادٍّ الكشف عن موضوعات هذا العدد الذي أخذت فيه الدراسات اللغوية نصيب الأسد، وهذا كما ذكرنا في الأعداد الماضية أنه أحياناً تكون الدرسات الأدبية أكثر ملاءمة للنشر في العدد الواحد، بعد أن يقوم الباحثون بالتعديلات المطلوبة، وأحياناً تكون الدراسات اللغوية هي الأكثر وروداً وتجهيزاً قبل المقالات الأدبية.
في المحور الأول من الدراسات اللغوية بدأ العدد بمقال موسوم: مسالك التحرير اللغوي: نصوص الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا للنشر أنموذجاً؛ حيث تطرق الباحث إلى قضية مهمة وأساسية في البحث العلمي تتمثل في طبيعة المخطوطات العربية التي يعرضها الأكاديميون والباحثون على مركز البحوث في الجامعات، ولا سيّما الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وهي مخطوطات ذات جودة علمية، وأخرى بحاجة إلى تحسين وتجويد؛ مما يستدعي ضرورة وجود محرِّر لغوي متخصص في اللغة العربية في مراكز البحوث بالجامعات. وهذا المقال يخوض في مسالك التحرير اللغوي، ويستعرض صفات المحرِّر اللغوي وميزاته، ويستطلع النص العربي المحرَّر ليواجه تحدياته ويضع الحلول المناسبة له. توصلت دراسة الباحث إلى أن المحرِّر اللغوي سيظل يشعر بالإحباط في غياب حصول التعاون العلمي بينه وبين المؤلف، بسبب الإهمال أو اللامبالاة أو الخيلاء أو الشعور بالنقص أو قلة الثقة أو المكانة العلمية والوظيفية التي تزيِّن لصاحبها أنه في غنىً عن غيره، وأن المؤلف الجاد والفاعل يشعر بسعادة بالغة وهو يرى كتابه في حلّة جديدة، بعد أن قام بإدخال التصحيحات والتعديلات، فضلاً عن اجتهاد المؤلف نفسه في قراءة نصه المحرَّر أكثر من مرة؛ وفي المقال الموسوم: تطبيقات معياري القصدية والمقبولية في النص في معهود الخطاب عند العرب، أثار فيه الباحث قضايا تطبيقات معايير النصية المعاصرة في التراث العربي القديم، وبيان إسهامات العلماء العرب القدامى في مجال اللسانيات النصية، ثم استثمار الإطار النظري والمفاهيمي في تحليل نص من كتاب أيام العرب قبل الإسلام لأبي عبيدة في ضوء معيار القصدية والمقبولية. وخرجت دراسته بنتائج مهمة، هي: أن نظرية الأفعال الكلامية عبّر عنها القدامى تحت عنوان الخبر والإنشاء، وأن المقاصد الظاهرة والخفية قد تناولها القدامى بما يعرف بــ: (المعنى) و(معنى المعنى)، وأن أفق التوقع قد ظهر لدى العرب القدامى عبر ما كانوا يتوقعونه للشعر استناداً إلى ما يتحصل عندهم من المعرفة الأولية لمعنى الأبيات، ومنهم من اهتم بالقارئ الأعلى الذي نجده عند ابن قتيبة، والقارئ المقصود الذي نجده جلياً عند الجاحظ، ومنهم من اهتم بهيئة المتكلم ومكانته لما لها من أثر في استجابة المتلقي وتفاعله مع الكلام؛ وفي مقال آخر بعنوان: دلالة تراكيب الشرط في اللغة العربية: دراسة تحليلية، ذكر فيه الباحثان أن النظر في الجملة الشرطية يكون في: الشك، واليقين، والتماثل بين فعل الشرط وجوابه، والجملة المزحزحة، مركزين على الجانب الدلالي في الجملة الشرطية. وخرجت الدراسة بنتيجة مفادها: أنّ (إذا) تفيد اليقين، و(إنْ) تفيد الشك، وقد تخالفت هذه الدراسة معها، ورأت أن الشك نابع من الجملة التي تجيء بعدها، وليس منها، وأن في جواب الشرط، أي الجملة النواة، هي الأصل، وهي –إن جاءت إخبارية– يمكن أن تتقبل دخول بعض أدوات التوكيد مثل اللام وإنّ وغيرها؛ وفي مقال تالٍ معنون بــ: زينة المرأة وتَطَيُّبها في معجم (أساس البلاغة) للزمخشري: دراسة دلالية، ذكر فيه الباحث فكرة غلبة المعاني الحقيقية على المعاني المجازية، ومنهجية الزمخشري (538ه) في عرض مواد معجمه، ودلالات هذه المنهجية، والبحث عن الخلفيات الدلالية التي تقف وراء استعمال المؤلف لتلك المجموعات، والخلفية الفكرية التي دعته لذلك الاستعمال، ومن نتائج الدراسة أن الزمخشري قد أبرز السياق الخارجي لطائفة من مواد معجمه، واهتمّ بالترادف وبيان المعنى ومضاده، وأبرزت مواد المعجم لديه ما بلغته المرأة العربية من حظ وافر من الزينة، وأن المعاني الحقيقية قد غلبت المعاني المجازية؛ أما المقال: نحو إصلاح التعريف بمداخل المعاجم العربية الملايوية الثنائية للطلبة في الدراسات العربية والإسلامية، فقد أشار إلى التعريف بمداخل المعاجم العربية الملايوية المقدمة للطلبة في الدراسات العربية والإسلامية، وطرح ما ينبغي عليه موادّ هذه المعاجم وشرح مفرداتها، ومناقشة التطويرات المطلوب إجراؤها في التعريف بمادتها المعجمية وفي انضباطها، ودقّة تصريفاتها، وكفاية عددها وشمولية آفاقها، وخرجت دراسته بنتائج، منها: أن المعاجم العربية الملايوية الثنائية قد تضمنت جزءاً من المداخل المعاجم العربية الأحادية التراثية التي تخدم الطلبة الملايويين في الدراسات العربية والإسلامية، وأن المعاجم العربية الملايوية الثنائية تشرح جزءاً من المداخل المعاجم العربية الأحادية المتطورة التي تخدم الطلبة الملايويين في الدراسات العربية والإسلامية، مراعية الأساليب والسياق أحيانا، وأن من أهمّ نقاط الضعف والإهمال التي ينبغي تلافيها في المعاجم اللغوية العربية الملايوية الثنائية، قضية ضبط المداخل المعجمية وتشكيلها والخلل في استخدام المركبات والتراكيب العربية؛ وفي مقال بعنوان: تأصيل النظرية الصوتية عند إخوان الصفا، تناول الباحث فيه الجهود الصوتية لدى الفلاسفة المسلمين المشهورين في القرن الرابع الهجري، وهم جماعة إخوان الصفا الذين تحدثوا عن مجموعة من الأفكار الفلسفية والفكرية واللغوية، وقدّم المقال عرضاً تأصيليّاً لطبيعة البحث الصوتي الأكوستي عند العرب، ثم عرّج على جهود جماعة إخوان الصفا في المجال الصوتي العربي. توصلت الدراسة إلى أنّ إخوان الصفا قد قدَّموا توصيفاً أكوستيّاً للصوت العربي يكاد يتفق مع ما توصلت إليه أجهزة التحليل الصوتي الحديث، وأنهم قد قدموا تعريفاً للصوت منطقيّاً ثم شرعوا في تقسيم أنواعه بحسب الدلالة والكيفية والكمية، وحدّدوا مخارجه وطرق إنتاجه، وأتبعوه بتحليل رائع لطرق تحليله من كافة المستويات النوعية والكيفية والكمية، وألقوا الضوء على جوانبه الدلالية وطرق تمييزه وإدراكه؛ وفي الدراسة الموسومة: اتجاهات المدرسين والطـلبة في بروناي دار السلام نحو استخدام شبكات التواصــل الاجتماعي في تعليم اللغة العربية، أظهرت نتائجها أن مستوى اتجاهات المدرسين والطلبة في بروناي دار السلام نحو استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في تعليم اللغة العربية، كان مرتفعاً أولاً في الموقف من استخدام هذه الشبكات في التعليم، وثانياً التغذية الراجعة، وثالثاً في ترقية المهارات اللغوية، ورابعاً في فاعلية شبكات التواصل في دعم عملية التعلم مقارنة بالوسائل التقليدية؛ بينما كان مستوى الاتجاهات متوسطاً في محور خصوصية العربية وشبكات التواصل الاجتماعية. وإجمالاً كان مستوى الاتجاهات في الدرجة الكلية مرتفعاً؛ وفي ضوء هذه النتائج أوصى الباحث بضرورة الاستفادة الكاملة من إمكانات شبكات التواصل الاجتماعي في تطوير تعليم اللغة العربية، وتصميم مناهج تستوعب هذه التقنية المفيدة.
أما الدراسات الأدبية فثمة المقال الأول المعنون: العدول بالتّرتيب والنّقصان في التّركيب الاسميّ بين النحو والبلاغة: قصائد "ابن خفاجة الأندلسيّ" نموذجاً؛ إذ يبحث في التراكيب الاسمية عند ابن خفاجة الأندلسيّ (533هـ) الذي اشتهر بمدوّنته التي مزج فيها بين نَفَـسِ الطبيعة وجوهرها بصوره الأخاذة، وبين كلماته المنسوجة بروحه النقيّة بطريقة لم تعتدها أذن القارئ ولم يألفه ذهنه، وبحث فيما يعتري المركب الاسمي من العدول والمحدّد بـــ: العدول بالتقديم والتأخير (الترتيب)، والعدول بالحذف (النقصان)، مع استجلاء جوانبهما النحوية مكمّلة بمتعتهما وفائدتهما البلاغية المقصدية. ووجدت الدراسة أن العدول التركيبي يحقق التجاوز والانحراف عن أصله النّمطي المتعارف عليه عند أئمة النحو، إلى النمط الإبداعي المتميز بانحرافاته الجائزة والمقبولة، وتتوالد مقاصد وأغراض قد تتعدّد في كل ظاهرة انحرافية عدولية اعتراضية يقذف بها المرسل المبدع إلى المتلقي الممكن؛ أما الدراسة الثانية فهي بعنوان: النقد الأدبي العربي المعاصر بين الأصالة والتجديد؛ حيث تناقش الباحثة طروحات أساسية في النقد الأدبي العربي المعاصر، كأزمة المنهج، والتشويش الحاصل فيه، هذا عبر محاولات التجريب النقدي، ودعوة بعض الأصوات النقدية العربية مغرباً ومشرقاً إلى النهوض بالنقد العربي، ومحاولة الاجتهاد في خلق نقد عربي أصيل له أصوله التاريخية، وله امتداده الحداثي المنبثق من تأثره بما توصل إليه النقاد واللغويون الغربيون. من نتائج الدراسة المهمة: أن ما يمر به النقد العربي المعاصر حالياً، شيء ضروري وحتمي من أن يمر به، وهي حالة كل ضعيف يبحث عن ذاته، وهي حتمية تاريخية للتطور، لا يمكن إنكارها، ثم حدوث زلزلة ذاتية بالبحث عن مقوماتها الذاتية وخصوصيتها الثقافية والحضارية، والشعور بمرض الانبهار، وأزمة الابتكار؛ مما يؤدي إلى البحث عن أسس النجاة من هذا الأسر، وتحقيق التصالح الفكري الذاتي، وهذا هو سبب كل انتصار ذاتي: فكري وإبداعي وإنساني وعلمي وتكنولوجي؛ وفي دراسة بعنوان: مقاربات الخطاب السياسي عبر الأدب: دراسة تحليلية، تعرضت إلى جدلية العلاقة بين الأدب والسياسة، وكيف أن الأدب هو من أكثر اللافتات والمداخل التي يلج من قبَلها السياسيون إلى ضمائر الشعوب، ومن أهم الوسائل لدغدغة المشاعر وتهييج العواطف وغسيل الأدمغة. توصلت الدراسة إلى أن الأدب نفسه في قلب الظاهرة السياسية، مؤثراً فيها ومتأثراً بها، وأن أي نص أدبي، ما هو إلا انعكاس للبيئة التي أنتج وكتب فيه، وأن السياسيين يستمدون خططهم، ويعتمدون في تنفيذ برامجهم على الدراسات التي يعدّها الكتاب، والأعمال الإبداعية التي ينتجها الأدباء، وأن عصر العولمة الذي نعيشه هو بحق عصر تلاشت فيه القيم والمبادئ الأخلاقية، والذي تتأكد فيه الحاجة الماسة إلى أدب رفيع ولغة راقية تترجم ما يريده المخلصون من أهل السياسة من عامة الشعب.
أخيراً أقدم أسمى آيات الشكر والتقدير لكل من أسهم في إخراج هذا العدد بدءاً من عميد كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية الأستاذ الدكتور إبراهيم محمد زين على تشجيعه المستمر في تطور المجلة ووصولها إلى درجة العالمية، وهيئة التحرير والمراجع اللغوي ومساعد المجلة، مع ملاحظة أن العدد الأول لهذا العام قد حدث فيه خلل فني؛ حيث أضفنا في محتويات العدد اسماً ثالثاً للبحث الموسوم: (الرؤية المأساوية في شعر المعري: رؤية نقدية جديدة)، وقد تفادينا الخطأ لاحقاً؛ لأن من شروط النشر ألا يكون في البحث الواحد أكثر من باحثين اثنين؛ لذا اقتضى التنويه إلى ذلك، وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربّ العالمين.